فصل: الطبقة الثانية: طبقة العُبَّاد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فَصْل فِيمَا يَنْبَغِي التَّنْبِِيهُ عَلَيْه والتحذير مِن ارتِكَابِهِ:

.طبقات المسلمين المغترين:

قال ابنُ الجوزي رحمه الله: المسلمون المُغترّون طبقاتٌ:

.الطبقة الأولى: طَبَقَة العُلُمَاءِ:

وَهُمْ قَوْمٌ أَحْكَمُوا العِلْم وَتَركُوا العملَ بِهِ ظنًا منهُم أنَّهُمْ قد حَفِظُوا الشريعَة فَلَهُم عِندَ اللهِ قَدْرٌ، ولو حَقَّقُوا النَّظَرَ، لَعِلمُوا أنَّ العِلْم لا يُرادُ إلا لِلْعَمَلِ وكأنّهم يَزِيدُونَ مِنَ الحُجَّةِ عليهِم.
ومنهم قومٌ أحْكموا العِلْمِ والعَمَلَ إِلا أنَهُمْ لم يُصْلِحُوا الصِّفَاتِ البَاطِنَة المَذْمُومَةَ مِنَ الكِبْرِ والحَسَدِ والرِّياءِ ولَمْ يَدْرُوا أنَّ هَذِهِ شُعَلٌ تَعْمَلُ في بَيْتِ القَلبِ فَتُحْرِقُ بَوَاطِنَ الْمَعْرِفَةِ.
قُلْتُ: وَهؤلاءِ كَمَريضٍ ظَهَرَ بهِ جُرُوحٌ أَصْلُها في البَاطِن فأمَرَ الطَّبِيبُ مَنْ بهِ ذلكَ أنْ يَغْسِلَ الظَّاهرَ بدَوَاءٍ وأمَرَهُ بشُرْب دَوَاءٍ آخَرَ لِمَا نَشَأَ عنه الظاهرُ فاسْتَعْمَل ما لِلَّظاهِرِ وَتَرَك ما لِلْبَاطِنِ فأزال مؤقتًا ما بظاهِرِه وَأَمَّا مَا في بِاطِنِهِ فِعَلَى حَالِهِ.
فَلَوْ شَرِبَ ما لِلْبَاطِنِ مِنَ الدَّوَاءِ بَرِئَ الظاهرُ إذا أَرَادَ اللهُ واسْتراحَ ظَاهرُهُ وبَاطنُه، فكذلك الذنوبُ والمعاصِي إذا اخْتَفَتْ في القلبِ ظهرَ أثرُها على جَوَارِحِ الإنسانِ.
ومِن العُلَمَاءِ قومٌ سَلِمُوا مِنْ هذِهِ الآفاتِ، لَكِنَّهم في خِدْمةِ الهَوَى مِنْ حيثُ لا يعلمون فهم يُصَنِّفون وَيَتَكَلَّمُون ومُرادُهم ذِكْرُهم بذلكَ وَمَدْحُهم وَكَثَرَةُ إتباعِهِم وهذهِ الآفةُ مِن خَبَايَا النفوسِ لا يَفْطِنُ لها إلا الأكياسُ مِن الناسِ.

.الطبقة الثانية: طبقة العُبَّاد:

فمنهم مَن حققوا التَّعبُّد إلا أنه يَرى نفسَهُ فهو مَغرورٌ بذلكَ، ومنهم: مَن ترَكَ كثيرًا مِنَ الفَرائضِ شُغْلاً بالنَّوافِلِ فَمِنْهُمْ مِنْ يُدْرِكُهُ الوَسْواسُ في نِيَّةِ الصلاةِ ثم يَتْرُكُ قَلْبَه في باقِيها يَسْرَحُ في الغَفَلاتِ.
وَمنهم: مَن يُكْثِرُ التِلاَوَةَ ولا يعملُ بما يَتْلو، ومنهم مَنْ يصومُ ولا يتحفَّظُ مِنْ غَيْبتِهِ، وَمِنْهُمْ: مَنْ يخرجُ إلى الحجِّ ولا يخرجُ من المظالمِ، ولا يَنْظُرُ في نَفَقَتِهِ، ومنهم: مَنْ يجاورُ بمكةَ وَيَنْسى الحُرمَة، ومنهم: مَنْ يأمرُ بالمعروفِ وَيَنْسَى نفسَه. قلتُ: وأهلَه وأولاَدَهُ.
ومنهم: مَنْ يَزْهَدُ في المالِ وهو راغبٌ في الرياسةِ بالزُهْدِ. ومنهم: مَنْ يتخلقُ بأخلاقِ الفقراء فِي صُوَرِ ثيابهِمْ وَمُرَقَّعَاتِهِمْ وَيَتْرُك أخلاقَهُم الباطِنَة، فيشبعُ من الشهواتِ، وينامُ الليلَ ولا يعرفُ واجباتِ الشرْع.
قلتُ: وهؤلاءِ غرورُهم عظِيمٌ كما قال بعضُ العلماءِ لأنهمْ يظنون أنهم يُحبون في اللهِ ورسولهِ وما قَدروا على تحقيق دقائق الإخلاصِ إلا وهم مُخلِصون، ولا وَقَفوا على خبايا النفس إلا وهم مُنَزَّهون، وهم أَحَبُّ في الدنيا مِنْ كل أحد وَيُظهرون الزُّهدَ في الدنيا لِشِدَّةِ حِرصِهِم عليها وَقوةِ رغبتهمْ فيها. قال بعضهم فيمن يُظْهِرُ الزهدَ في الدنيا وهو حريصٌ عليها:
أَظْهَرُوا لِلنَّاسِ زُهْدًا ** وعلى الدِّينَار دَارُوا

وَله صَلُّوا وصَامُوا ** وله حَجُوا وزَارُوا

لَو يُرى فَوْقَ الثُريَّا ** وَلَهُمُ رِيشٌ لَطَارُوا

يَحُثُّون على الإخلاصِ وهُمْ غيرُ مخلصينَ وَيُظْهرونَ الدُعاءَ إلى اللهِ وَهُمْ منه فارُّونَ، وَيُخَّوِّفُونَ باللهِ وهُمْ آمِنون. ويذُكِّرون باللهِ وهُمْ له ناسُون، ويحُثُّون على التمسكِ بالسنةِ بالدقيقِ والجليلِ وهم لها نابِذُون وَيَذمّون الصفاتِ المذمومةَ وهُمْ بها مُتَّصِفونَ، وكأنه لمْ يَطرُقْ أسمْاعَهُمْ قولُهُ تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}.
وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}. وقولُهُ تعالى حكايةً عمَّا قال شُعيبُ:
{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} وَوَرَدَ عن ابنِ عباسٍ: أنه جاءه رجلٌ فقال: إني أُريد أن آمُرَ بالمعروفِ وأنهَى عن المُنْكَر. قال: أبَلَغْتَ ذلك؟ قال: أرجو. قال: إنْ لَمْ تَخشَ أن تَفْتَضِحَ بثلاثِ آياتٍ من كتابِ اللهِ فافْعَلْ. يشيرُ ابنُ عباس إلى الآياتِ المتقدمةِ.

.الطبقة الثالِثة: أَرْباب الأموالِ:

فَمِنْهم: قومٌ يَحْرِصِونَ على بناءِ المساجدِ والْمدَارسِ ويَكْتُبونَ أَسْمَاءَهُم عليها لِتَخْلِيدِ ذِكْرهِمْ وَمَنْ أرادَ وجهَ اللهِ لَمْ يُبالِ بِذْكر الخَلْقِ وهؤلاء قَال بعضُ العلماءِ: إنهم اغْتَرُّوا مِن وَجْهَيْن: أَحَدُهُما: أنَّهم اكْتَسَبوها مِنَ الظُلْمِ والشُبُهاتِ والرُشَاءِ والجِهَاتِ المَحْظُورةِ، فهؤلاءِ تَعَرَّضُوا لِسَخَطِ اللهِ في كَسْبِها فإذا عَصَوُا اللهَ في كَسْبِها فالواجبُ عليهمْ التَوْبةُ وَرَدُّ الأموالِ إلى أربابها إنْ كانُوا أحْيَاءً، وإلى وَرَثَتِهِمْ إنْ كانُوا أَمْوَاتًا، وإنْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ وَرَثَةٌ فالواجِبُ عليهمْ أنْ يَصْرِفُوها في أهمِّ المَصَالِحِ وَرُبما يكُونُ الأهَمُّ تَفْرِقَتَها على المساكينِ.
والوجهُ الثاني: أنَّهمُ يَظُنُونَ بأنفُسِهِمْ الإِخْلاصَ وَقَصْدَ الخَيرِ في الإنفاقِ وعُلوِّ الأبْنِيَة. ولو كُلِّفَ واحدٌ منهم أنْ يُنْفِقَ دِينارًا على مِسكينٍ لم تَسْمَحْ َنْفُسُه بذلك، لأنَّ حُبَّ المدْحِ والثناءِ مُسْتَكِنٌّ في باطِنِهِ.
ومنهُمْ: قَومٌ يَتَصَدَّقُونََ ولكنْ في المَحَافِلِ وَيُعطُون مَنْ عادتُهُ الشُكرُ وإفشاءُ المعروفِ.
ومنهُمْ: مَنْ يُكْثِرُ الحَجَّ وَرُبما تركَ جِيرانَهُ جياعًا.
ومنهم: قومٌ يَجْمَعُون المالِ وَيَبخَلونَ بإخراجِهِ، ثم يَشْتَغِلُونَ بالعَباداتِ البَدَنِيَّةِ التي لا تحتاجُ إلى نفقةٍ كالصيامِ والصلاةِ، ولا يَدْرونَ أَنَّ جِهادَ النفسِ في البخلِ المُهلِكِ أوْلى.
لَقَدْ خَابَ مَنْ غَرَّتْهُ دُنْيًا دَنِيَّةٌ ** وما هِيَ أنْ غرَّتْ قُرُونًا باطَائِل

أَتَتْنَا عَلى زِيِّ العَزيزِ بِثَينَةٍ ** وَزِينَتِهَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الشَّمَائِلِ

فَقُلْتُ لَهَا غُرِي سِوَايَ فإِنَّنِي ** عَزوفٌ عن الدُّنْيَا وَلسْتُ بِجَاهِل

وَهَبْها أَتَتْنا بالكُنوزِ وَدُرِّهَا ** وأَمْوَالِ قَارُونٍ وَمُلْكِ القَبائِل

أَليْسَ جَمِيعًا لِلفَنَاءِ مَصِيرُهَا ** وَيُطْلبُ مِنْ خُزَّانِها بالطَّوائِلِ

فَغُرِّي سِوايَ إِنَّنِي غَْيُر رَاغِبٍ ** لِمَا فِيكِ مِنْ غِرٍ وَمُلْكٍ ونائِلِ

وَقَدْ قَنِعَتْ نَفْسي بِمَا قد رُزِقْتُهُ ** فَشَأْنِكِ يا دُنْيَا وأَهْلَ الغَوَائِلِ

فإِنّي أَخَافُ اللهُ يَوْم لِقَائِهِ ** وأَخْشَى عِقَابًا دَائِمًا َغَيْرَ زَائِل

اللَّهُمَّ نَجّنا برحمتِكَ مِن النارِ وعافِنا من دار الخِزْيَ والبَوَار، وَأَدْخِلنا بفَضْلِكَ الجنةَ دارَ القَرار وعامِلْنَا بكَرَمِكَ وَجودِكَ يا كَرِيمُ يا غَفارُ.
اللَّهُمَّ ثَبِّتْ مَحَبَّتَكَ في قُلُوبِنَا وَقوِّهَا وَنَوِّرْ قُلُوبَنَا بِنُور الإيمانِ واجعلنا هُداةً مُهْتَدِين وآتِنا في الدُّنيا حَسَنَةً وفي الآخِرِةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النارِ واغْفِرْ لَنَا ولوالِدَيْنَا وَلِجَمِيعَ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
(2) موعظة:
اعلم يا بُنَيَّ وَفَّقَكَ اللهُ لِلصَّواب أنه لم يتميز الآدمي ُّبالعقل إلا لِيَعْمَل بمُقتضاه، فاسْتَحْضر عَقْلَكَ، وأَعْمِلْ فِكْرَكَ، واخْل بِنَفْسِكَ تَعْلَم بالدليلَ أنكَ مَخْلُوق مُكَلَّف، وأنَّ عليكَ فرائض أنتَ مُطَالبٌ بها.
وأن الملكَين يُحْصِيَان أَلفاظَكَ وَنَظَرَاتِكَ، وَأنَّ أنفاسَ الحي خُطَاه إلى أَجَلِهِ، وَمِقْدارُ اللُّبثِ في الدنيا قَلِيل، والحبسُ في القُبور طَوِيل، والعذابُ على مُوافَقَة الهَوى وبيل.
فأينَ لَذّةُ أَمْس؟! رَحَلَتْ وأَبْقَتْ نَدَمًا، وأينَ شَهْوةُ النفسِ؟ كم نَكَّسَتْ رَأْسًا، وَزَلَّتْ قَدَمًا، وما سَعِدَ مَن سَعِدَ إلا بِخِلاف هَواهُ، ولا شَقِيَ مَن شَقِيَ إلا بإيثار دُنياه.
فاعتبرْ بِمَنْ مَضَى مَن المُلُوكِ والزُهَّادِ، أَيْنَ لَذَّةُ هَؤلاءِ وأَيْنَ تَعَبُ أولئك؟ بَقِيَ الثوابُ الجزيلُ، والذِكرُ الجميلُ لِلصَّالِحينَ، والمقالةُ القَبِيحَةُ والعقابُ الوبيلُ لِلعاصِين.
وكَأَنَّه ما جَاعَ مَن جَاعَ وَلا شَبعَ مَن شَبعَ، واعْلَمْ أنَّ الكَسَلَ عن الفضائِل بِئسَ الرَّفِيقِ، وحب الراحة يورث من الندم ما يربو على كل لذة، فانتبه واتعب لنفسك.
واعلم أَنَّ طَلَبَ الفَضائِل نِهَايَةُ مُرَادِ المُجْتَهِدين، ثم الفضائلُ تَتَفاوتُ، فَمِن الناسِ مَن يَرى الفضائلَ الزُهْدَ في الدنيا، ومنهم مَن يراهَا التَّشَاغُلَ بالتعبدِ، وعلى الحقيقةِ فَليستَ الفضائلُ الكاملةُ إلا الجمع بينَ العلم والعمل.
حَيَاةُ الفَتَى والله بالعلِمِ والتّقُىَ ** إذَا لَمْ يَكُونَا لا اعتبارَ لِذَاتِهِ

وَمَنْ لَمْ يَذُقْ ذلَّ التَّعَلُم سَاعَة ** تَجَرَّع كَأْسَ الذُّلِ طُولَ حَيَاتِه

فوائِدْ: مِنْ حِكَمِ أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه: العلم خير من المال، العلمَ يَحرسك وأنت تَحرس المال، المال تنقصه النفقة والعلم يَزكُو على الإنفاق، بالعلم يَكسِبُ الإنسانُ الطاعةَ في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، العلم حاكم والمال محكوم عليه.
فإذا حصلا رفعا صاحبهما إلى تحقيق معرفة الخالق سبحانه وتعالى، وحركاه إلى محبته وخشيته والشوق إليه، فتلك الغاية المقصودة، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، وليس كل ما يريد مرادًا ولا كل طالب وَاجِدًا، ولكن على العبد الاجتهاد وكل ميسر لما خلق له والله المستعان.
يَا خَالِقِي عبدُكَ الخاطِي الحَزينُ لَقَدْ ** أتاكَ مُنْكَسِرًا فاجْبُرْ لِمُنْكَسِرِ

مُسِتَغْفِرًا مِن ذُنُوبٍ لاَ عِدَادَ لَهَا ** بِعَفْوِكَ الجمّ يَا رَحْمَنُ لا تَذَرِ

فلاَ تَدَعْني مَلِيكَ العَرْش مُطَّرحًا ** بَينَ النَّوَائِب والأسْدَامِ والغِيرَ

حَسْبِي لَدَىَ المُوبِقَاتِ الصُّمِ أَنْتَ فَلاَ ** نَرجُو سِواكَ لِنَيْلِ السُؤْلِ والوَطَر

عَليكَ يا ذا العَطَا والمنِ مُعْتَمَدِي ** في كُلِّ خَطبٍ أتَى بالغَيْرِ والضَّرَرِ

فَاغْفِرْ وَأَكْرِمْ عُبَيْدًا مَالَهُ عَمَلٌ ** من الصَّوالح يا رَحْمنُ في العُمُرِ

لَكِنَّهُ تَائِبٌ ممَّا جَنَاهُ فَقَدْ ** أَتَاكَ مُسْتَغْفِرًا يَخْشَى مِن السَّقَرِ

فإِن رَحِمْتَ على مَنْ جَاء مُفْتَقِرًا ** فأنْتَ أهْل به يا ربِّ فاغْتَفِرِ

وإنْ تُعَذِّبْ فإني أَهْلُ ذاكَ وذا ** عَدْلٌ قَوِيم بلا لَوْمٍ ولا نُكُرِ

ثم الصلاةُ على خَير الخليقةِ مَن ** كَفَاهُ مُعْجِزَةً الشقُ في القَمَرِ

وآلهِ الطيبينَ الطُهْرِ قَاطَبِةٍ ** وَصَحبهِ المُكْرَمِينَ السَّادَةِ الغُرَرِ

مَا هَبِّتِ الريحُ واهْتَزَ النباتُ بِها ** وما تَغَنَّتْ حَمَامُ الأَيْكِ فِي السَّحَر

فائدة: قال أَحَدُ العُلَمَاءِ رَأَيْتُ كَثِيرًا مَا يُزَيَّنُ لِطَالِبِ العِلْمِ أّيَّامَ الاخْتِبَارِ قِرَأَةُ مَا لَيْسَ مُطَالِبًا بِهِ في الاخْتِبَارِ، وَهَذَا مِنْ مَرَضِ النَّفْسِ وَتَسْوِيلِ الشَّيطَانِ تَضْعِيفًا لِلْهِمَّةِ والنَّشَاطْ، فإِنَّ العِلْمَ المُطَالِبَ بِهِ فِيه تَكْلِيفٌ وَإِلزَامَ وَتحمُّلٌ وَأَدَاء، فَهْوَ ثَقِيلَ عَلَى النَّفْسِ الوَانِيَةِ، والعِلْمُ الذِي لَمْ يُطَالَبْ بِهِ لاِ تِكْلِيفَ بِهِ فَهوَ خَفِيفٌ عَلَى النَّفْسِ وَهَذَا مِن هَوَى النَّفْسِ وَسَرِقَةِ الشَّيْطَانِ لَهُ لأَنَّهُ اِنْحرَاف عن الصَّوابِ النافِع.
اللَّهُمَّ أعْطِنا من الْخَيْرِ فَوقَ ما نَرْجُو، واصْرِفْ عنَّا مِن السُّوءِ فَوقَ ما نَحْذَرُ. اللَّهُمَّ عَلِّقْ قُلُوبَنَا بِرَجائِكَ واقْطَعْ رَجَاءَنَا عَمَّنْ سِوَاكَ اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ عُيُوبَنَا فاسْتُرْهَا وتَعْلَمَ حَاجَاتِنَا فَاقْضِهَا كَفَى بِكَ وليًّا وكَفَى بِكَ نَصِيرًا يا رَبَّ العالمينَ. اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِسُلُوكِ سَبِيلِ عِبَادِكَ الأَخْيارِ واغْفِرْ لَنَا وَلِوالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمتكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحمِّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.الطبقة الرابعة: طبقة العَوامّ:

وغُرورُهُمْ ِمْن وُجوهٍ: فمنهم: مَنْ يُصَلِّي كَيْفَمَا اتَّفَقَ ولا يَسْأَلُ عَمَّا يُصْلِحُ الصلاة وما يُفسِدُهُا. ومنهم مَنِ يُواظِبُ على النوافِل كالتراويحِ، ولا تكادُ تَجِدْهُ في صلاةِ الجَماعةِ، ومنهم: مَنْ يلازِمُ مَجَالِسَ الوَعْظِ ولا يَعْمَلُ بِمَا يَسْمَعُ ولا يَنْتَهِي عَنْ قَبيحِ ما يَأْتي، كأَنَّ المقصودَ الحُضُورُ فقطْ. قُلْتُ: لأنّ مَجَالسَ الذِكْرِ والإرْشادِ إنّما تُفيدُ لِكَوْنِهَا مُرَغِّبَةً في الخَيْرِ وباعِثةً في الغالِبِ عليه فإنَّ لَمْ يَنْشَأُ عنها ذَلِكَ فلا خيرَ فيها وصِفةُ هؤلاءِ كما قال بعضُ العُلماءِ: كمِثْلِ مريض يَحْضُرُ مَجَالِسَ الأطباءِ وَيَسْمَعُ مِنهم ما يَصِفونَهُ مِن الأدويةِ ولا يَفْعَلُها ولاَ يَشْتَغِلُ بها فأيُّ فائِدةٍ يَحْصُلَ عَليها.
فكُل وَعْظٍ لا يُغيّرُ مِنكَ صِفةً تَتَغَيَّرُ بِها أفعالُك حتى تُقْبِلَ على اللهِ عزَّ وجَلَّ وَتُعْرِضُ عن الدُّنْيَا وَتُقْبِلُ إِقْبالاً قويًّا، فإِنْ لَمْ تَفْعلْ فذلكَ كان زيادَة حُجةٍ عليكَ، وهذا غُرورٌ عظيمٌ.
ومنهم: مَنْ يَتَنَفَّلُ بالعباداتِ وَيُهْمِلُ الفرائضَ.
ومنهم: مَنْ يَتَطَّوعُ بالخيرِ وَيُكثرُ التسبيحَ معَ معامَلَتِهِ بالرِّبا واسْتِعْمَالِ الغِشِّ، وَرُبَما صاحَ على وَالِدَيهِ وَأَخذَ أَعْراضَ الناسِ، وَجُمهورُ الناسِ قد اتَّكَلوا على العفْو والحلمِ فهُمْ مُصِرّون على ذُنوبٍ وخطايا فإذا ذَكَرْت لهمُ العُقوبَةَ قالُوا: هو كريمٌ وَينْسَوْنَ أنه شَدِيدُ العِقابِ، ومنهم: أقوامٌ يَسْتَعْجِلُون المعصيةَ مُوَافقةً لِلْهَوى وَيُضْمِرون أننا سَنَتُوبُ وَيُسَوِّفُونَ بالتوبةِ، ومِنَ العُصاةِ مَنْ يَغْتَرُّ بِفِعْلِ خيرٍ فربما تَصَدّقَ أوْ سبَّحَ وَظَنَّ أَنَّ هذا يُقاوَمُ ذُنوبَهُ.
وَيَنْسَى مَا حَصَلَ مِنه مِنَ الغِيبَةِ والكَذِبِ والرِّياءِ وغيرِ ذلكَ مِن المعاصِي التي تَقْضِي على الحَسَنَاتِ التي أمثالُ الجبالِ.
ومِنَ المغترِّين مَنْ َيغرُّهُ صلاحُ آبائِهِ وربما قال: أبِي يَشْفَعُ لي ولا يَدْري أنَّ أباه فُضِّل بالتقوَى وكان مَعَ التَّقْوى خائفًا؟ ومِنْ أينَ له أن يَشْفَعَ لَهُ، أو مَا سَمِعَ قوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}.
ولَمْ يعلمْ أنَّ نوحًا عليهِ السلامُ أرادَ أنْ يَحْمِلَ ابْنَهُ مَعَهُ في السفينةِ فَمُنِعَ منْ ذلكَ وَأغرَقَ اللهُ ابَنَهُ مَعَ المُغرَقِينَ.
وفي الحديث الصحيحِ أنَّ رسولَ اللهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «يا فاطمَةُ لا أُغْنِي عنكِ مِنَ اللهِ شيئًا». فالعاقلُ مَنْ عَمِلَ على الحِرْصِ وأخَذٍ بالأَحْوَطِ فَمَنْ تأمَّلَ العِلمَ وَتَصَفَّحَهُ وَشاوَرَ العقلَ دَلّهُ على الحزْمِ فَسَلِمَ مِنَ الاغْتِرَارِ. واللهُ الموفِّقُ.
وطبقةٌ أخرى أَكَبُّوا على تِلاوةِ كِتابِ اللهِ وَتَرَكُوا تَدَبُّرَهُ والعملَ بهِ، وَرُبما خَتَموه في يَومٍ وَليلةٍ بِألْسِنَتِهِمْ، أما قلوبُهُمْ فهي في أوديةِ الدنيا تَردَّدُ، ولا تَتَفَكَّر في معاني القرآنِ لِتَنْزجِرَ بزواجرِه وَتتعظَ بمواعِظِهِ وتقِفَ عندَ أوامِرِه ونَواهِيه وَتَعْتَبِرَ بمواضِعِ الاعْتبارِ. فَمَنْ قَرَأَ كتابًا عِدَّة مرَاتٍ وَتَركَ العَمَلَ بهِ يُخْشَى عَليهِ مِن العُقُوبَةِ.
وَطَبَقَةٌ اغْتَرُّوا وَأَكْثرُوا الصِّيامَ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لا يَحْفَظُونَ ألْسِنَتَهُمْ عن الغِيبَةِ والنميمةِ والكذِبِ والتمَلُّقِ عندَ الفُسَّاقِ وأعْدَاءِ الدِينِ وَلا يَعْرِفُونَ الوَلاءَ والبَراءَ ولا يَحْفَظُونَ بُطُونَهُمْ عن الْحَرامِ وَلا أَعْيُنَهُم عن النَّظَر المُحَرَّمِ وَلا أسْمَاعَهُم عنِ الملاهِي والمُنكَراتِ وَلاَ يَقُومُونَ عَلى أَولادِهِمْ وَيَأْمُرُونهم.
وطبقةٌ أخْرَى أَكثَرتْ مِنْ نَوافِلِ الحَجِّ مِنْ غَيرِ خُرُوجٍ مِنَ الْمَظَالِمِ وَقَضَاءِ الدُيُونِ، واسْتِرْضَاءِ الوَالِدَيْن وَلا طَلَبُوا لِذلِكَ الزَّادَ الحلاَلَ، وَرُبَّمَا ضَيَّعُوا صَلاَة الجَمَاعَةِ أو الصَّلاَةِ المكتُوبَةَ، وَرُبَّمَا كانُوا لا يُبالُونَ بالنَّجَاسَاتِ، وَرُبَّمَا كان نَفَقَةُ أَحَدِهِمْ حَرَامًا كُلَّه َهوَ وَرُفَقَاؤُهُ، وَرُبَّمَا كانَ مُرَائِيًا في إنْفَاقِهِ فَيَعْصِي اللهَ في كَسْبِ الحرَامِ أولاً وفي إنفاقِهِ لِلرّياءِ ثانيًا. نَعُوذُ باللهِ من الغُرورِ. وفِرقةٌ أخذَتْ في طَرِيقِ الأَمِر بالمَعْرُوفِ وإرْشادِ الخَلْقِ وأنكَرُوا على الناسِ وتَركُوا أَنْفُسَهُم وَأوْلادَهُم وَمَنْ يَخْشَوْنَهم أو يَرجُونهم. وَفِرْقَةٌ أُخرى غَلَبَ عليها البُخلُ فلا تَسْمَحُ نُفوسُهم بأداءِ الزكاةِ كَامِلةً مُكَمّلةً يُخْرِجُ مِقدارَ رُبْعِهَا فقط وَيَتَأولُ الباقِي وَيَعِدُ أنه إذا وَجَدَ فقيرًا أعطاهُ وَيَرى أنَّ ما يدفُعهُ إذا تقدَّم فقيرٌ في بعضِ الأيامِ وأعطاهُ كافيًا ورُبما كانتْ زكاتُهُ عدَدَ أيامِ السنةِ مئاتٍ مِنَ الريالات نعوذُ بالله من الغُرورِ.
قُلْتُ: ومنهم مَن يَدفعُ زكاتَه إلى مَن يَخْدِمه أَوْ يَخْدِم أَهْلَه وهذا خَطَأ فانْتِبهْ ونَبِّهْ فإنَّ هذا العَملَ وقَايَةً لِمَالِهِ وَلَيْسَ زَكَاةَ وَلا يَخْفَى إلا عَلَى مَنْ عَمِيَتْ بَصِيرَتَهُ وَغَلَبَ عَلَيْهِ البُخْلُ والشُحُ.
اللَّهُمَّ أَنظِمْنا في سِلكِ حِزبِكَ المُفلِحِين، واجْعلنا مِنْ عبادِكَ المُخْلِصين وآمِنَّا يومَ الفَزَع الأكَبرِ يومَ الدِين، واحْشُرْنَا مَعَ الذين أَنْعَمْتَ عَليهَم مِنَ النَبيين والصِّدِّيقين والشُهداء والصالحينِ واغْفِرْ لَنَا، وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحياءِ منهمْ والميتينَ بِرَحْمَتِكَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِِ أَجْمَعِينَ.
الموتُ في كُلِّ حِينٍ يَنْشُرُ الْكَفَنَا ** ونَحْنُ في غَفْلَةٍ عما يُرَادُ بِنَا

لا تَطْمَئِنَّ إلى الدُّنْيَا وَبَهْجتها ** وإنْ تَوَشَّحْتَ مِنْ أَثْوَابِهَا الحَسَنَا

أَيْنَ الأَحِبَّةُ والجِيرانُ ما فَعلُوا ** أينَ الذين هُمُ كانُوا لَنَا سَكَنَا

سَقَاهُم الموتُ كأسًا غَيْرَ صَافِيَةً ** فَصَيَّرَتْهُمْ لأطْبَاقِ الثَّرَى رُهُنَا

تَبْكِي المَنَازِلُ مِنْهُمْ كُلَّ مُنْسَجِمٍ ** بالمَكْرُمَاتِ وتَرْثِي البِرَّ والمِنَنَا

حَسْبُ الحِمَام لَو أَبْقاهُمْ وأَمْهَلَهُمْ ** أَلا يَظُنُّ عَلَى مَعْلُومِهِ حسَنَا

اللَّهُمَّ أظِلنَا تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِكَ يَوْمَ لا ظِلّ إلا ظِلَّكَ وَلا بَاقٍ إلا وَجْهُكَ وَاسْقِنا مِنْ حَوْضِ نَبيّك شرْبةَ هَنيئَةً لا نَظْمَأً بَعْدَهَا أَبَدًا حَتَّى نَدْخُلَ الجَنَّةْ، اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا ذِكْرِكِ وَشُكْرِكَ وَوَفِقْنَا لِمَا وَفّقْتَ لَهُ الصّالِحِينَ مِنْ خَلْقِكَ، واغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
موعظة:
خطب عمرُ بنُ عبدِ العزيز آخرَ خطبةٍ خَطَبَهَا فَقَالَ فيهَا: أمَا بَعدُ: إنكمْ لمْ تُخلقوا عَبَثًا، ولَنْ تُتْرَكُوا سُدَى، وإنَّ لَكُمْ مَعَادًا ينزلُ اللهُ فيهِ للفَصْلِ بينَ عبادِهِ، فقدْ خابَ وخسِرَ مَنْ خَرَجَ مِنْ رحمةِ اللهِ التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيء وَحُرِمَ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتِ وَالأرضُ، أَلا تَرَوْنَ أَنَّكُمْ في أَسْلابِ الهَالِكِينَ، وَسَيَرِثُهَا بَعْدَكُمْ البَاقُونَ كَذَلِكَ حَتَّى تُرَدُّ إِلَى خَيْرِ الوَارِثِينَ، وَفي كُلِّ يَوْمٍ تَشَيِّعُونَ غَادِيًا وَرَائِحًا إِلَى اللهِ قَضَى نَحْبَهُ وَانْقَضَى أَجَلُهُ فَتَدَعُونَهُ في صَدْعٍ مِن الأَرْضِ غَيْرَ مُوَسَّدٍ وَلاَ مُمَهَّدٍ، قَدْ خَلَعَ الأَسْبَابَ، وَفَارَقَ الأَحْبَابَ، وَسَكَنَ التُرَابَ، وَوَاجَهَ الحِسَابَ، غَنِيَا عَمَّا خَلَفْ، فَقِيرًا إَلَى مَا أَسْلَفَ، فَاتَّقُوا اللهَ قَبْلَ نُزُولِ المَوْتِ وَانْقِضَاءََ مَوَاقِيتِهِ، وَإِنِّي لأََقُولُ لَكُمْ هَذِِهِ الْمَقَالَةَ وَمَا أَعْلَمُ عِنْدَ أََحَدٍ مِنَ الذُّنُوبِ أَكْثَرُ مِمَّا أَعْلَمُ عِنْدِِي، وَلَكِنْ أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَ طَرَفَ رِدَائِهِ وَبَكَى حَتَّى شَهَقَ ثُمَّ نَزَلَ، فَمَا عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ بَعْدَهَا حَتَّى مَاتَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ.
وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ ** وَلكِنَّ الْتَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ

وَتَقْوَى اللهُ خَيْرِ الزَّادِ ذِخْرًا ** وَعِنْدَ اللهَ لِلأتْقَى مَزِيدُ

وَمَا لاَبُدَّ أَنْ يَأْتَي قَرْيبٌ ** وَلَكِنَّ الذِّي يَمْضَي بَعِيدُ

آخر:
أَتَبْكِي لِهَذَا الْمَوْتِ أَمْ أَنْتَ عَارْف ** بِمَنْزِلَةٍ تَبْقَى وَفِيها المَتَالِفُ

كَأَنَّكَ قَدْ غُيِّبْتَ في اللَحْدِ والثَرَى ** فَتَلْقَى كَمَا لاَقَى القُرونُ السَّوَالِفُ

أَرَى الْمَوْتَ قَدْ أَفْنَى القُرون التي مَضَتْ ** فَلَمْ يَبْقَ ذُو أُلْفٍ يَبْقَ آلِفُ

كَأَنَّ الفَتَى لَمْ يَغْنَ في الناسِ سَاعَةً ** إذا عُصِبَتْ يَوْمًا عليهَ اللَّفَائِفُ

وَقَامَتْ عَلَيهِ عُصْبةٌ يَنْدُبُونَهُ ** فَمُسْتَعْبِرٌ يَبْكِي وَآخَرُ هاتِفُ

وَغُودِرَ في لَحْدٍ كَرِيهٍ حُلُولُهُ ** وَتُعْقَدُ مِنْ لِبْنٍ عَلَيْهِ السَّقَائِفُ

يَقِلُّ الغنَى عَنْ صاحِبَ اللَّحدِ والثَرَى ** بِمَا ذَرَفَتْ فيهِ العُيُونٌ الذَّوَاِرفُ

ومَا مَنْ يَخَافُ الْبَعْثَ والنارَ آمِنٌ ** وَلَكِن حَزِينٌ مُوجِعُ القلبِ خَائِفُ

إذا عَنَّ ذِكْرُ الموتِ أَوْجَعَ قَلْبَهُ ** وَهَيَّجَ أَحْزَانًا ذُنُوبٌ سَوَالِفُ

اللَّهُمَّ يَا عَظِيمَ الْعَفْو، يَا وَاسِعَ المَغْفِرَةِ يَا قَرٍيبُ الرَّحْمَةِ، يَا ذا الجلالِ والإكرامِ، هَبْ لَنَا العَافِيةَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. اللَّهُمَّ يَا حَيُّ وَيَا قَيُّوم فَرِّغْنَا لِمَا خَلَقْتَنَا لَهُ، وَلاَ تُشْغِلْنَا بِمَا تكَفَّلْتَ لَنَا بِهِ، واجعلنا مِمَّن يُؤمِنُ بِلقَائِكِ، ويَرْضَى بِقَضَائِكَ، وَيَقْنَعُ بِعَطَائِكْ، وَيَخْشَاكَ حَقَّ خَشْيَتِكْ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَنَا رَغَدًا، ولا تُشْمِتْ بِنَا أَحَدَ. اللَّهُمَّ أنظْمْنَا في سِلْكِ حِزْبِكَ المُفْلِحِين، واجْعلنا مِنْ عِبَادِكَ المُخْلَصِينَ وآمِنَّا يَوْمَ الفَزَعِ الأكْبَرِ يَوْمَ الدِّين، واحشُرْنَا معَ الذينَ أنعمْتَ عَليهم مِنَ النَّبِيين والصِّدِّيقينَ والشُهداء والصالحين، واغْفِرْ لَنَا وَلِوالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْياءِ مِنهُم وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.